عقدت منهجيّات ندوتها لشهر نيسان/ أبريل 2022 بعنوان "حول أدب اليافعين عربيًّا: مبناه وعناصره ومستقبله ". حاور فيها عبد الله البياري، وهو طبيب وأكاديميّ، المتحدّثات والمتحدّثين في النّدوة حول محاور أربعة، هي:
1. مبنى أدب اليافعين (الفتيان) من الخارج/ العالم إلى الداخل/ المتلقّي/ المتلقّية: موقعيّة الكتابة وهيكلها وسياقها.
2. العناصر الفنّيّة والتخيليّة والأسلوبيّة لأدب اليافعين: الحبكة، والبطولة والشخصيّات، والقيم والموضوعات، والزمان والمكان المتخيّلان والواقعيّان.
3. أدب اليافعين عربيًّا: مقارنة بين سياقات عربيّة مُختلفة، والعلاقة بين الفصحى والعاميّة.
4. مستقبل أدب اليافعين: العلاقة مع الثقافة، والتعليم ومؤسّساته، والدولة ومؤسّساتها، ودور النشر والجوائز.
استضافت الندوة مجموعةً من المتحدّثات والمتحدّثين، هُم: رناد قبّج، مدير عام مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ، وإبراهيم فرغلي، كاتب روائيّ وصحفيّ، وأنس أبو رحمة، كاتب وروائيّ، ومنى زريقات، مؤسِّسة دار المنى للنّشر.
استهلّ البياري الندوة بالتساؤل حول المرحلة العمريّة، وسؤال ما الذي يجعل أدب الأطفال أو أدب اليافعين أدبًا لمرحلة عمريّة معيّنة؟ أي ما هو أساس هذا التصنيف المبني على العُمر، وهل هذا الأدب هو حصريّ على اليافعين؟ خصوصًا أنّ هُناك سلطة تُقرّر ما هو أدب اليافعين وما هو لا، بالبناء، بطبيعة الحال، على التصنيف العُمريّ.
من أين تكتب قصص اليافعين؟
بدأ فرغلي هذا المحور بالحديث عن التباسات عديدة يعاني منها أدب اليافعين، على غرار قضيّة التصنيف، على سبيل المثال، ما يصل من هذا الأدب للعالم العربيّ هو المُترجم، والشائع من هذا الأدب هي نصوص مغامرات بوليسيّة، الأمر الذي يُضيّع، في منطقةٍ ما، نصًّا يُقدّم تربية أدبيّة لليافع، يعتمد على عناصر أدبيّة وقضايا معاصرة مُختلفة، الأمر الذي توفّر في الأدب العالميّ، إلى جانب غياب حركة نقديّة لأدب اليافعين.
وتحدّث عن تجربته الكتابيّة التي اعتمدت أساسًا على طبيعة التغيّرات التي يمرّ بها اليافع والتي تختلف، بالضرورة، عن أيّ تجربة يمرّ بها يافع آخر باختلاف الزمان والمكان. وداخل فرغلي حول أهمّيّة اختيار قاموس لغويّ مناسب، يُدخل الفتى في سياق القصّة ويساعده على التقمّص والتخيّل، وأهمّيّة عدم الاستسهال في البحث المعرفيّ عند الكتابة لليافعين.
أمّا أبو رحمة فشارك تجربته كطفلٍ عندما كان يقرأ كتبًا موجودةً في مكتبة العائلة؛ يقرأ ويحاول رصد جُملٍ شعريّة جميلة ساحرة منها، مع عدم فهمه، في معظم الأحيان، لسياق الكتاب ككلّ، ولكنّ الجمال الموجود في هذه الجُمل كان يشدّه أكثر. وتحدّث عن نقص المكتبة العربيّة، في حينه، لكتب الفتيان، وحول تشكّل علاقته مع الكتابة لليافعين، العلاقة التي نشأت من نقص وجود هذه الكتب، أو عدم توفّرها، فحاول خلال كتابته، بشكلٍ ما، أن يكون قارئًا وكاتبًا في آن، فيكتب الرواية ويقرأها تعويضًا وبحثًا عن مسار الفتى في الرواية.
وأشار إلى أنّ أدب الفتيان يكتبه الكبار، الذين، عادةً، ما يقحمون قضاياهم في هذا الأدب، وتحدّث عن الفتى في رواياته، ومحاولتهِ، من خلال تواصله مع الجيل، لملاحظة قضاياه وأسئلته، والتي قد تختفي في بعض الأحيان. وشارك فكرة أنّنا نحنُ ذلك الفتى أو الفتاة الذين نكتب لهم، في تعاملٍ تربويّ مع هذا الأدب، فننسخ، من خلال هذا التعامل، أفكارنا أو تصوّراتنا عن هذا الجيل، وكتابة الأشياء التي لم نقم بفعلها، من خلال عكسها في الكتابة. وشارك أنّ ما يحاول فعله، من خلال الكتابة، المشي إلى جانب هذا الفتى، ومصادقته وفهمه، من أجل كتابته بصورته وأحلامه وبساطته وسذاجته، والخوف دائمًا أن يضيع هذا الفتى في خضمّ عمليّة الكتابة وسلطة الكاتب.
التكوين المجتمعيّ لأدب اليافعين
هُنا تحدّث البياري عن الفارق بين الثقافة الشفهيّة وبدء الكتابة، إذ مع الانتقال الشفهيّ للقصّة لم يكن هناك تصنيفات للقصّة، وتحدّث عن تجربة مؤسّسة تامر بفكرة تحويل القراءة والقصص لفعل اجتماعيّ من الشفاهة.
وضمن هذا المحور، استهلّت القبّج حديثها عن فكرة التصنيفات وهاجسها يخرج من فكرة أنّ الطفولة ليس موضوعًا واحدًا، إنّما كلّ مرحلة من مراحلة الطفولة لديها قلق واحتياج خاصّ بها. وقامت القبّج بتأريخ الكتابة لليافعين، فتحدّثت حول مرحلة سبعينيّات القرن الماضي التي شهدت نوعان من الكتابة: الأوّل للأطفال حتّى سنّ 11 سنة، والثّاني للكبار، بالتّالي هُناك فئة ضائعة بين النوعين. وأشارت لتجربة دار الفتى العربيّ بأنّها تجربة نظرت إلى الفتيان لأوّل مرّة عربيًّا، وتابعت الحديث عن روايات صنع الله إبراهيم، ضمن دار الفتى العربيّ، كتجربة فارقة في الكتابة للفتيات والفتيان، إلى جانب مجموعة كبيرة من الكتب بامتدادها وعلاقتها مع العالم العربيّ. وشاركت القبّج فكرة خصوصيّة فلسطين بعد اتفاقيّات أوسلو، تحديدًا عن حركة الترجمة التي نشطت لترجمة أدب اليافعين إلى العربيّة، ومنها تجربة دار المنى. ووفقًا لمداخلتها، قد تكون هذه الترجمات ساهمت بتقديم أدب اليافعين بصورتهِ الحاليّة، ما أنشأ علاقة جديدة مع هذا الأدب من مكانٍ جديد لا يرتبط ارتباط مباشر بتجربة دار الفتى العربيّ.
وداخلت حول خصوصيّة مؤسّسة تامر في إشراكها لليافعين للمُساهمة في إنتاج أدبهم، بالتّالي هُم شركاء في تكوين معانيهم الخاصّة، ومن خلال تجارب كتابة اليافعين يتجلّى الفعل الاجتماعيّ، وأشارت إلى سعي المؤسّسة لإشراك الأطفال، كذلك، للكتابة ضمن مشروع "كتابي الأوّل"، والتي تقوم المؤسّسة بنشر هذا الكتاب الذي يعتمد على كتابات الأطفال، وإلى مشاريع كثيرة لها علاقة بالتاريخ الشفويّ وارتباط هذا التاريخ بالواقع، على غرار مشروع "مدن تروي تاريخها"، ذهابًا إلى فكرة أنّ المؤسّسة تسعى على الدوام لتكسير سلطة الكاتب من خلال إشراك اليافعين في عمليّة الكتابة والإنتاج المعرفيّ.
عن تجربة دار المنى
استهلّت زريقات مداخلتها أنّ التفكير بالناشئة هو تفكير يردّها لطفولتها، المرحلة التي كانت تقرأ فيها كتّاب، مثل طه حسين وجبران خليل جبران، وحتّى في الغرب، وفقًا لمداخلتها، بدأ توجّه الكتابة للأطفال بعد الحرب العالميّة الثانية، وهو أدب جديد نسبيًّا. وأشارت إلى أنّ أدب اليافعين هو مرحلة متأخّرة حرجة من أدب الأطفال، يعالج مرحلة حسّاسة من حياة اليافع، وتحدّثت عن أنّ أدب الناشئة هو أدب متجذّر في الثقافة المحلّيّة، وطرحت سؤال توزيع كتب اليافعين، المرتبط بالمستوى الرسميّ، مثل وزارة التربية والتعليم والانفتاح على المدارس، إلى جانب سؤال التابوهات الموجودة في العالم العربيّ، والتي تصعّب عمليّة الكتابة، وتجعل التوجّه إلى الروايات الكلاسيكيّة أعلى.
وداخلت زريقات حول تفكير الكُتّاب في الكتابة لليافعين، باعتبار الكتابة لهذه المرحلة هي كتابة عن تجربة تجليّات الفتى في الكاتب؛ أنّ المُهمّ، ضمن هذا السياق، أن يكتب الكاتب قصّة جميلة، خصوصًا وأنّ الحدود بين الأعمار تتلاشى بعد عمر 16 سنة، وطرحت مثالًا هو رواية "عالم صوفي" التي كانت بمثابة رواية لليافعين، ولكنّ الرواية شدّت الكبار أكثر. وشدّدت على أهمّيّة تقنيّات وأساليب الكتابة الجماليّة في النصوص، كالكتابة بفعلٍ مضارع، أو الكتابة عن مغامرة، إلى جانب الإبقاء على وجود الأمل، خصوصًا وأنّ الاكتئاب هو ملمح أساسيّ من ملامح مرحلة اليافعين، الذين يبحثون عن أسئلتهم، وعن معنى الحياة والموت. وأنهت حديثها بالإشارة إلى أنّ الكتاب الجميل لا حدود له، وأشارت إلى تجربة الكاتب والرّسّام "شان تان" الذي تعدّى حدود العُمر من خلال تجربته الأدبيّة والفنّيّة.
وأخيرًا، شاركت زريقات قلقها حول ضعف اللّغة العربيّة في العالم العربيّ، ومن هُنا تأتي أهمّيّة هذا الأدب الذي يُساهم بتغلغل اللّغة في وجدان وقواميس الأطفال واليافعين، إذ قالت وبشكلٍ واضح: "دون أدب ناشئة لن يكون هناك لُغة".
في الخِتام
في كلمةٍ أخيرة، شارك أبو رحمة أفكارهُ حول أدب اليافعين، وتحدّث عن رواية "رحلة إلى جوهانسبرغ" لبيفيرلي نايدو، وأن من ميّزات هذا الأدب أنه يجعلك أقرب إلى ذاتك وإلى قضيّتك، وأبعد من ذلك، وصولًا إلى التفكير بالذّات بطريقةٍ جديدة وإعادة بناء هذه الذات وتطويرها وجعلها أكثر انفتاحًا على العالم وعلى الآخر وعلى الإنسان وعلى الفهم الشخصيّ للكون. وأضاف أن مهمّة أدب اليافعين لا تتمثّل بنسخ العالم، إنّما بتكسير وتفكيك الصيغ الجاهزة التي وصلتنا وإعادة تكوينها برؤى جديدة وقوّة الخيال والأمل.
أمّا زريقات فأكّدت أنّ أدب الأطفال والناشئة هو أدب مهمّ جدًّا، وهو أدب بناء، وركّزت، كذلك، على أهمّيّة الأمل في هذا الأدب، الذي وصفته بأنّه أدب تغيير. وتحدّثت القبّج عن المخاوف المحيطة بهذه الفئة في العالم العربيّ، وأهمّيّة تعزيز فعل القراءة من كافّة المستويات، الرسميّة وغير الرسميّة، وأهمّيّة تشجيع البيئة المحيطة للطفل واليافع على القراءة، ذلك للخروج بطّفل لا ينظر إلى العالم نظرة أُحاديّة، بل نظرة واسعة؛ نظرة إنسانيّة متوازنة، ذهابًا للنهوض الإنسانيّ الجمعيّ.
أمّا فرغلي فختم بفكرة أنّ الحضارات لا يكون مصيرها الفشل، إنّما يمثّل هذا الفشل لحظة فارقة للثورة ضدّ الواقع، ولذا فإنّ التحمّس، ضمن هذا السّياق، لأدب اليافعين هو تحمّس للأمل عبر بناء مكتبة عربيّة غنيّة بأدب يافعين جيّد سيقرأهُ جيل التغيير، الذي لن يقبل برداءة الواقع وسيثور على هذا الواقع لتحقيق مستقبل أجمل وأفضل.