المعلّم في فلسطين
المعلّم في فلسطين
2024/09/12
نسيم قبها | كاتب وتربويّ- فلسطين

اختيارات المعلّم في فلسطين اشتباكيّة مع الأسلوب الفنّيّ في تعليمٍ تحت النّار دائمًا، وأيضًا مع الكيفيّة الموضوعيّة لتجسيد الأفكار التربويّة التي تمتدّ إلى عامٍ مدرسيّ دمويّ جديد مليء بالفانتازيا: من حظر التجوال، إلى قصف مدرسة بعد إغلاق أخواتها، إلى استهداف طالب مع كرّاسته ببندقيّة كافرة بعد سجن معلّمه، إلى تثخين حواجز عسكريّة تقطعُ التواصلَ بين أحياء عن مدارسها، أو تفصل بين طلبة في سياق جدار الفصل العنصريّ، والذي يقتات كلّ صباح على تفتيش حقائب ملغّمة لكتب الجغرافيا الخالية من سلاح التضاريس الثابتة في فلسطين.

بالمُجمل، فإنّ عقليّة المعلّم الفلسطينيّ تخضع لحراك ذهنيّ فريد عالميًّا، يتماشى ووقائع فظيعة من مُمارسات الاحتلال النشط دائمًا. ما يعني أنّ المعلّم هُنا يُنتج النشاط المرتبط بالإبداع غالبًا، نتاجًا تعلّميًّا من ممارسات التعاطي مع درس مواجهة يوميّة مع الاحتلال، بمعنى يُنشّط ما يُمكن تحريكه لصالح فلسطين المنهج والمنهاج، فلسطين التفكير والخاضع لآليّة الابتكار للوسائل والحاجات التي تستعين بالمُمكن المتوفّر رغمًا عن التوافر.

غير أنّ معلّمنا يضع الأشياء بتنافرها موضعًا يجده أكثر ملاءمة لرؤيته القارّة لمجريات الحياة غير الطبيعية دائمًا بديمومتها. لذا، فهو يستلّ الدلالة بمتعة المقاوم للنقيض المحتلّ، ويشخّصها وطنيًّا بحكمة العارف للفعل وردّ الفعل، مُقاومًا بذلك عوامل السياسة الواقعيّة، والتي تجانب داخله الذي يتشكّل من صراع القصد المحفوف بالجرأة الفنّيّة في تقديم حصّة دراسيّة يصنع منها الجمال في التحدّي، حيث دأب منذ زمن على تشكيل وحدات أنيقة في ثنايا منهاج غيبيّ معلوم في صدره وصدر تلاميذه، لكنّه ذو أهداف يعبُرُ من خلالها إلى معالجات جريئة الطرح لا تفهمها اليونسكو على سبيل المثال، وهادفة لا يقيسها هرم بلوم، لأنّها تضع الأشياء وفق نظرة فلسطين الحرّة العربيّة الأبيّة، والتي تسفر عن أناقة شكل وجبة التعليم في فلسطين، ورشاقتها التي تتعالى على كلّ الجراح.