التعليم التحرّريّ: بناء مجتمع التعلّم الديمقراطيّ داخل وخارج النظام الرسميّ
التعليم التحرّريّ: بناء مجتمع التعلّم الديمقراطيّ داخل وخارج النظام الرسميّ

برز خلاف مزمن بين من يحاول تغيير النظام الرسميّ، وبين من يريد خلق نماذج بالتوازي معه وتحدّيه. فمن قائل إنّنا يجب أن نتوقّف عن محاولة إصلاح نظام معطوب، فإصلاحه عبث، وتشهد على ذلك 20 سنة من المؤتمرات. والنظام التعليميّ السائد مبنيّ على أنّ الشخص الموجود– المتعلّم – تأتيه معلومات من خارجه من خلال المناهج والنصوص في المدارس وتشكّل وعيه، بما في ذلك قيم المنافسة، مثل تسميات "المعلّم الأوّل، الأديب الأوّل، الأوّل في الصف".

  • - كيف نُحدِث التغيير ونحرّر العقل؟ الهدف ليس مجرّد التعرّف على التعليم التحرّريّ، بل تحرير التعليم الحاليّ وسياساته، وهو المهمّ.
  • - التعليم التحرّريّ استبدال تدريجيّ للنظام التعليميّ الحاليّ وقواعده وأنظمته المسيطرة على العقول. على الفرد اتّخاذ القرار للتحرّر من القيود المادّيّة والمعنويّة، والإيمان بالتغيير، بالتفكير الناقد، والفلسفة التجديديّة، والاعتماد على الخبرات الفرديّة.
  • - التعليم التحرّري في حياة الإنسان، كفرد وجماعة، يؤدّي إلى التعلّم الذاتيّ الذي لا يمكن أن يكون مدرسيًّا، مع اكتساب رؤية وقيم مختلفة. وهو خلق توجّهات جديدة في المهارات والمعلومات في سياق المجتمع، واستخدامها بحُريّة من خلال الممارسة. والتعليم التحرّريّ يعتمد النهج التفاعليّ في فضاءات مفتوحة، منذ مرحلة الطفولة المبكّرة. وثمّة نماذج فلسطينيّة بين الأعوام 1986-1991 في المخيّمات الصيفيّة والأندية، ومن شارك فيها لا ينساها، حيث أُسّست علاقات ونمط حياة وتفكير إبداعيّ.
  • - التعليم التحرّريّ هو ممارسات لمعلّمين مُيسّرين يجسّدون قيم ومبادئ التعليم التحرّريّ في حياتهم، مثل، أوّلًا: الإيمان بأنّ المتعلّمين شركاء في تكوين المعاني، وثانيًا: أنّ الناس بناة للمعرفة، لا مستهلكين فقط. فالمعرفة لا تبدأ من النصوص، بل من الحياة. ويمكن استلهام المبادئ الثلاثين في كُتيّب حنان الرمحي لتجسيدها في حياتهم قولًا وممارسة.
  • - يكون تعميم التعلّم التحرّريّ بالبحث عن هيئات أقلّ رسميّةً من الوزارة، وطرح النهج ضمن مجموعات صغيرة، وخلال مسار طويل يعتمد المجاورة والمعايشة، لا التدريب، للمعلّمين والأطفال والنساء.
  • - من الصعب تجاوز المؤسّسة المدرسيّة الرسميّة، ولعلّ الجامعات فيها هوامش أكثر من المدارس لأفكار التعليم التحرّريّ، مثل فترة الثمانينات. مع أهميّة التعليم في الصّغر، يجب محاولة الدخول في مؤسّسات التعليم العالي، والتعاون مع مجموعات من الأساتذة.
  • - أهداف التعليم تكون مشتركة بين الطالب والأستاذ، وهي تعتمد فاعليّة إعادة خلق المعرفة، وليس فقط دراسة الواقع. التعليم البنكيّ اتّجاه واحد، راوٍ ومتلقٍّ. أمّا التعليم التحرّريّ فهو اتّجاهين، وهو حوار مع الطلّاب لفهم الواقع ونقد السلطة. التعليم الحواريّ حُرّ الإرادة ولا يعلّم أحدٌ أحدًا، وهو يعتمد على فكفكة النصوص وإعادة تركيبها، وخلق للمعرفة، والطالب مع الأستاذ فاعلان.
  • - نعمل لتغيير الواقع المُعاش بدل إعادة إنتاج القائم، ونطرح شعار "القالب مش غالب". فالمجتمع ذكوريّ أبويّ، حيث تقيس الطاعة للأب والرئيس والشيخ. لا بدّ من تكسير هذه الجدران المحيطة واحترام الإبداع، وتحرّر الإنسان ممّا يعوق حركته وفكره، ضدّ القولبة والخنوع. وتشمل المراجعة دور الدين والعادات، إذ لا يجب أن نستمرّ نحوم حول الجريمة. في مناهجنا وطريقتنا لمعالجة أوضاعنا، لا بدّ من فصل الدين عن الأمور الحياتيّة، ومجابهة تابو العادات والتقاليد، وإلّا نكون متواطئين. والمجتمع المدنيّ له دوره هنا.
  • - ويهدف التعليم التحرّريّ أيضًا إلى تحرير المتعلّم من القوى التي تُحِدّ خياراته وتسيطر على حياته وتحركه، ليعمل على التغيّر الاجتماعيّ والسياسيّ.
  • - التعليم التحرّريّ عمليّة فرديّة وجماعيّة تقوم على تحرير العقل من موروثات سابقة، وتحرير الفرد بنمط التفكير والسلوك. وهو لا منهجيّ ولا نظاميّ ولا رسميّ.
  • - هل التعليم هو داخل الصفوف والجامعات أم من داخل الذات لاكتساب الحكمة والسعادة؟
  • - التعليم التحرّريّ مردّه أكثر للتجربة العمليّة، وإنّ تقوية وتعزيز قدرات الطلّاب، وتهيئة كلّ الظروف المناسبة لدعمهم، هي لتوعيتهم بحقّهم في تقرير المصير.

 

أخيرًا.. وبعد "العصف الذهنيّ" تم التوصّل إلى تعريف مشترك للتعليم التحرّريّ:

التعليم التحرّريّ هو عمليّة تعلّم وتعليم مركزها الفرد وغايتها المجتمع، تقوم على تحرّر العقل والتشاركيّة والتأثير المتبادل بين الأفراد والجماعات في البيئة التعلّميّة والتعليميّة. ينتج عنها اكتساب معارف وممارسات متجدّدة تقود إلى التغيير الاجتماعيّ نحو الأفضل.

وهو كلّ منهج أو وسيلة تدعم إطلاق ملكات العقل، وتوسيع مدارك الإنسان، وتشجيع الإبداع الذي يتقنه، وفقًا لطبيعة قدراته. وهو الشك الإيجابيّ، وإثارة الفضول المعرفيّ، والدافعيّة لتقدّم المجتمع والأفراد. وهو عمليّة ينتج عنها شخص حُرّ أخلاقيّ ومنسجم داخليًّا. كما وتؤدّي للسعادة والشعور بالانتماء والرغبة بالعطاء والمبادرة. وهو المنهج والوسائل التي تُمكّن الأفراد من التعامل بشكل نقديّ وخلّاق مع الواقع، واكتشاف كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعاتهم وأنسنتها، وكسر كافّة حلقات محرّماته.

- مؤسّسة روزا لوكسمبورغ المكتب الإقليميّ. (2016). أيّ تعليم نريد؟ حوار التّعليم التحرّريّ في فلسطين. ص. 12-15.