يقدِّم هذا الكتاب، وهو من إصدارات ترشيد التربويّة 2024، إجابات عديدة عن أسئلة وتحدّيات مُختلفة، ولكنّه يتطلّب تحوّلًا في التفكير في الطرائق التقليديّة، للنظر إلى تصميم المناهج الدراسيّة والبيداغوجيا. فهو يتطلّب تحوّلًا نحو نموذج "التدريس والمنهاج القائمان على المفاهيم" أو (CBCI)، وهو منهاج ثلاثيّ الأبعاد، ونموذج تصميم تدريسيّ يؤطِّر الحقائق والمهارات في مجالات موضوعيّة تتعلّق بمفاهيم الفروع المعرفيّة وتعميماتها. ويختلف هذا المنهاج عن النموذج التقليديّ ثنائيّ الأبعاد للموضوعات والحقائق ومهارات المستوى المتدنّي، إذ يرتفع المستوى ليشمل التصوّرات المفاهيميّة بوصفها أهدافًا تعلّميّة أساسيّة، حيث ترتكز الأفكار الواردة في هذا الكتاب على العلوم المعرفيّة ونظريّة التعلّم والتحليل المنطقيّ لما ينجح في التدريس والتعلّم.
ويركّز الإصدار تركيزًا خاصًّا على دعم المعلّمين في الصفوف، من مرحلة ما قبل المدرسة حتّى المدرسة الثانويّة، أثناء استمرارهم في رحلاتهم القائمة على المفاهيم. ويحتوي على العديد من الأمثلة الجديدة والمفصّلة لمساعدة المعلّمين على القراءة ذات المعنى، ووضع التصاميم موضع التنفيذ. وترتكز الأفكار الواردة فيه على العلوم المعرفيّة ونظريّة التعلّم والتحليل المنطقيّ. وهو مبنيّ على تجارب مؤلّفاتهِ لأكثر من 30 سنة، والتي ركّزن فيها على رؤى عميقة في بُنى المعرفة، وفي العلاقات القائمة بين تصميم المناهج والتعليم وتطوير الذكاء.
والكِتاب من تأليف هـ. لِنْ إريكسون، ولويس أ. لانِنغ، ورايتشل فرنش. ونقلتهُ إلى العربيّة هيفاء أبو النادي، وعبد الله البيّاري. وراجعته د. ريام كفري. ويقع الكتاب في 352 صفحة من القطع المتوسّط، ضامًّا خمسة فصول: الصفّ المدرسيّ المفكّر، وبنيتا المعرفة والعمليّة؛ وتصميم وحدات التدريس القائمة على المفاهيم؛ والتعلّم بالاستقصاء في الدروس القائمة على المفاهيم؛ والتقييمات الذاتيّة؛ والمعلّم الناشئ المعتمِد على المفاهيم.
الصفّ المدرسيّ المفكّر
يقدّم هذا الفصل وصفًا موجزًا لكيفيّة عمل الدماغ، ووصف قوّة العدسة المفاهيميّة لخلق تآزر بين مستويات التفكير الدنيا والمفاهيميّة. وقد تناول أيضًا تطوّر التفكير، وأعلى من شأن أفكار ريتشارد بول وليندا إلدر ورون ريتشهارت، والتي قدّمها الكِتاب بوصفها أفكارًا تساعد الطلّاب على تقييم جودة عمليّات تفكيرهم، باستخدام التفكير ما وراء المعرفيّ، أو التفكير التأمّليّ. وأخيرًا، قدّمَ تذكيرًا بأنّ التصرّفات الفكريّة تكتسب اتّساعًا وعمقًا عندما تُطوَّر بطرائق حقليّة للمعرفة والعمل، وتُمنح بذلك أجنحة في سياقات متعدّدة وأخرى متداخلة الحقول.
بنيتا المعرفة والعمليّة
يناقش هذا الفصل علاقة بنية المعرفة ببنية العمليّة المعرفيّة، وكيفيّة تأدية هاتين البنيتين دورًا في الممارسة العمليّة كلّ يوم في الفصول الدراسيّة. يصيب المعلّمين القلق عندما يدركون أنّ العديد من الكتب والموادّ الدراسيّة لا تغطّي سوى أدنى مستوى من الموضوعات والحقائق والمهارات، ويفترضون أنّ الطلّاب سيفهمون المفاهيم والمبادئ الأعمق؛ انطلاقًا من أنّ ذلك يتطلّب ممارسة لاستقراء المفاهيم الأساسيّة والتعميمات من المحتوى، وهذا عمل شاقّ لأنّ العديد من المعلّمين لم يُطلب إليهم قطّ تفكيك الفهم الأعمق ممّا يعلّمونه. ومن هُنا، يقدّم الكِتاب أهمّيّة تغيير نموذج المنهاج والتدريس، لإنتاج طلبة قادرين على التفكير ضمن مستويات مركّبة. كما يقترح أن يكون التحوّل من التدريس الذي يغطّي الأهداف إلى التدريس الذي يستخدم الحقائق والمهارات، أدواتٍ لتطوير فهم أعمق للمفاهيم الأساسيّة والتعميمات.
تصميم وحدات التدريس القائمة على المفاهيم
يُفتتح هذا الفصل من الكتاب بمجموعة من الخطوات لتصميم وحدة من برنامج التدريس القائم على المفهوم، مدعومةً بتفسيرات وأمثلة موسّعة في هذا الشأن. وتلي ذلك مناقشة أعمق وعيّنات من شبكات الوحدات التي تعدّ ضروريّة لتخطيط الوحدة التعليميّة، ولتشجيع المناقشة التعاونيّة داخل فرق المعلّمين. وقبل تحديد الاختبار حول الأنشطة مقابل تقييمات الفهم، نقدّم مناقشة موجزة للمعايير الأكاديميّة ودورها في تخطيط الوحدة التعليميّة.
ناقش هذا الفصل تصميم الوحدة القائمة على المفهوم، وشارك مجموعة من خطوات التصميم. ووضّح دعم نماذج النسيج الواردة في الفصل النظرة العامّة للوحدات، لمناقشة تخطيط مجال كلّ موضوع في الوحدة الدراسيّة، وذلك لمدّة سنة بما يتماشى مع المعايير الأكاديميّة، وبما يتطلّب خبرات تعلّم وتقييمات عالية الجودة من الطلّاب لإظهار تصوّرهم المفاهيميّ، بالإضافة إلى معرفتهم ومهاراتهم في المحتوى.
ويعدّ توجيه المعلّمين نحو تطوير وحدات المناهج ثلاثيّة الأبعاد، والقائمة على المفاهيم، طريقةً فعّالةً لدعم الدعوة إلى نموذج أكثر تطوّرًا للتعليم والتعلّم، يلبّي هدف المعايير الأكاديميّة الأعمق.
التعلّم بالاستقصاء في الدروس القائمة على المفاهيم
يتعمّق هذا الفصلُ في دراسة الاستقصاء في الدروس القائمة على المفاهيم. وقد نوقش فيه أسلوبا التدريس الاستقرائيّ والاستنتاجيّ، بالإضافة إلى الاستقصاءين المركَّب والموجَّه، وهذا ما يتواءم، بطبيعة الحال، مع أهداف التدريس القائم على المفاهيم، إذ يدعم التدريس القائم على المفاهيم الاستقصاءَ بتوجيه الطلّاب إلى تصوّر مفاهيميّ أعمق.
ويختتم هذا الفصلُ بصعوبتين شائعتين يواجههما المعلّمون عند نقل الوحدات القائمة على المفاهيم إلى التنفيذ (الدروس)، ثمّ يقدّم حلولًا مقترحة.
التقويمات الذاتيّة والمعلّم الناشئ المعتمد على المفاهيم
يبدأ هذا الفصلُ بمناقشةِ عمليّة التغيير، تليها دراسةُ خصائصِ تطوير المعلّمين القائم تدريسهم على المفاهيم. ويُناقش قضيّة المعلّم الناشئ المعتمد على المفاهيم، ويقدّم نماذجَ تحدّد الخصائصَ على امتداد سلسلة متّصلة من المعلّم المبتدئ إلى المعلّم الخبير. كما يقدّم نبذة عن كيفيّة تبسيط التعلّم في صفٍّ قائمٍ على المفاهيم، إلى الوصول إلى "نموذج تغيير المعلّم" لتوماس جوسكي، و"مجموعة معتقدات المعلّم الخمسة" لرون ريتشهارت التي تؤثّر في توقّعاته من الطلّاب.
* * *
هذا الكتاب مصدر قيِّم للقرّاء للشروع في هذه الرحلة الصعبة والمهمّة لتحويل المناهج الدراسيّة؛ فالأفكار والممارسات التي تشكّل هذه الرحلة، هي في الواقع دقيقة ومترابطة وصعبة. وفي بعض الأحيان، قد يرجو القرّاء أن تكون المؤلِّفات إلى جانبهم لكونهنّ مرشدات يقدّمن النماذج، ويشجّعن ويشرحن، ويطرحن أسئلتهنّ الكاشفة أثناء عملهنّ، وذلك بعمليّة بناء المناهج الدراسيّة القائمة على المفاهيم. وبالفعل، فالمؤلّفات موجودات حقًا، بالمقالات القصيرة التي قدّمنها في الفصول الدراسيّة الحقيقيّة، والتأمّلات التي شاركنها بما يتعلّق بتعلّمهنّ، والقوالب المفيدة والنصائح العمليّة التي قدّمنها، والأسئلة الاستقصائيّة في ختام كلّ فصل.
وعلى الرغم من استفادة القرّاء الذين يجدون في هذا المصدر المساعدة على تخطيط المناهج الدراسيّة القائمة على المفاهيم، إلّا أنّه علينا الإقرار بحقيقة كونها رحلة معقّدة، تشجّع المؤلّفاتُ المعلّمين على خوضها. وهذا الكتاب لا يدور حول بعض الأفكار السطحيّة والاقتراحات البسيطة للتعامل مع وحداتنا التعليميّة، بل يتعلّق بالتحوّل الكامل الذي يطلب إلينا تغيير فهمنا كيفيّةَ تنظيم المناهج الدراسيّة وتقديمها. والمؤلّفات لم يخفين حقيقة واضحة، مفادها أنّها ليست رحلة سريعة؛ إذ سوف يستغرق الأمر بعض الوقت. وفي الواقع، إنّ تعلّم تصميم الوحدات القائمة على المفاهيم ليس سوى الخطوة الأولى، إذ تصبح وحدة المناهج الدراسيّة وسيلة للتعلّم فقط عندما نتنفّس الحياة التعليميّة فيها. وهذا يضيف طبقة رائعة أخرى من التعقيد؛ تعقيد الغرس والتوجيه. لكن، ليطمئنّ القارئ إلى أنّ جهده لن يرفع فقط من قدرته على التدريس، وإنّما من مستوى التعلّم في الغرفة الصفّيّة والمدرسة كذلك.