التربية على القيم بالمنظومة الوطنيّة للتربية والتكوين والبحث العلميّ
التربية على القيم بالمنظومة الوطنيّة للتربية والتكوين والبحث العلميّ

من الناحية الشكليّة، صدر تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين المغربيّ (2017) حول القيم في 40 صفحة بثلاث لغات (العربيّة – الأمازيغيّة – الفرنسيّة)، وقد حُدّدت له ثلاثة مواضيع:

  • التربية على القيم رافعة أساسيّة لتنمية وتأهيل الرأسمال البشريّ.
  • سياق وطنيّ دوليّ متحوّل بمرجعيّات جديدة للتربية على القيم.
  • أهداف أساسيّة للتربية على القيم في فضاءات المنظومة التربويّة ومحيطها.

كما قُسّم التقرير إلى قسمين أساسيّين، الأوّل بعنوان "التربية على القيم بالمنظومة التربويّة، واقع وتحدّيات". والثاني بعنوان "آفاق التطوير والتغيير". ثمّ يخرج بمجوعة من المقترحات والتوصيات.

 

في القسم الأوّل أكّد التقرير أنّ التربية على القيم تكتسي أهمّيّة قصوى لمجتمع، كونها تعدّ إحدى ركائز الحياة الإنسانيّة في جانبيها الفرديّ والاجتماعيّ، وهي مسؤوليّة مشتركة تضطلع بها المدرسة مع التأكيد على مكانتها، والأسرة، ووسائل الإعلام، إلى جانب المؤسّسات التي تؤدّي وظائف ذات صلة بالتربية والتثقيف والتأطير. كما أقرّ التقرير بأنّ القيم تشكّل تفضيلات جماعيّةً ومعياريّةً تحيل إلى أساليب في الفكر والخطاب والسلوك والممارسة.

نبّه التقرير إلى أنّ التربية على القيم هي الحافز الضامن للتعبئة المستديمة من أجل تعزيز الانتماء والهُويّة، والتعريف بها وصيانتها والدفاع عنها، وتثمين العمل الإنسانيّ مع ضمان التفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى، واستثمار غنى الاختلاف والتنوّع في بناء المشترك الإنسانيّ. إلى جانب ذلك، يعدّ التقرير القيم شرطًا لبناء مجتمع المواطنة الديمقراطيّ، والنهوض بالحقوق والحريات وصيانتها، والتطوّر المجتمعيّ، دون أن يُغفل تحديد المرجعيّات لذلك: الدينيّة، والتاريخيّة، والسياسيّة، والثقافيّة، والحقوقيّة، والتأكيد على تنوّع الروافد لها: المحليّة، والوطنيّة، والإقليميّة، والعالميّة.

 

في القسم الثاني ينبّهنا التقرير إلى كونه جاء ضمن سياقات وطنيّة ودوليّة تتميّز داخليًّا بديناميّة الإصلاحات المؤسّساتيّة والتشريعيّة التي توّجت بدستور 2011م، خاصّةً ما أتى في ديباجته من ارتكاز الحياة الاجتماعيّة على قيم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، والحريّة، والكرامة، والمساواة بين الجنسين، والمواطنة المسؤولة، وغيرها مما يفصّل التقرير الحديث حوله، ويمرّ التقرير على الخطب الملكيّة، وما تتضمّنه من تأكيدات وتوجيهات وتوصيات تشدّد على دور المدرسة في التربية القيميّة.

من جهة أخرى، يتطرّق إلى التحوّلات القائمة، وانخراط المجتمع المغربيّ في المنظومة الدوليّة، ومواثيقها المتعلّقة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، وحقوق ذوي الإعاقات، وذوي الوضعيّات الخاصّة، وبرامج الإدماج التدريجيّ لأبناء الأجانب المقيمين في المغرب، والمكانة المتنامية التي تحتلّها التربية القيميّة ضمن الاستراتيجيّات الأمميّة في عالم يمرّ بتحوّلات عميقة سريعة لها أكبر الأثر على تواتر الأزمات واهتزاز المرجعيّات، وما ينتج عن ذلك.

 

أما القسم الثالث، فيستند فيه التقرير إلى توجّهات الرؤية الاستراتيجيّة 2030- 2015، التي وضعت المدرسة في صلب المشروع المجتمعيّ، وأدرجت وظيفتها في التربية على القيم في صلب التحقيق الفعليّ لرافعات التغيير الهادفة إلى تحقيق الإنصاف، وتكافؤ الفرص، والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع، وما يتطلّبه ذلك من ترسيخ قيم الهُويّة والانتماء، وتعزيز الديمقراطيّة والمساواة، وحقوق الإنسان، والتنمية البشريّة والبيئيّة المستديمة، والانفتاح على العالم وثقافاته.

 

من أهمّ التوصيات التي خرج بها التقرير التأكيد على الأهمّيّة الاستراتيجيّة للتربية على القيم، وارتباطها بالتمكّن من اللغات والمعارف والكفايات، كونها أحد مداخل تأهيل الرأسمال البشريّ، والنهوض بالمنظومة الوطنيّة للتربية والتكوين. كذلك التشديد على ضرورة إيلاء هذه التربية كامل العناية، بالنظر للرهانات الكبرى المعقودة على تفعيلها، ولتداخل مجالات ومستويات هذا التفعيل.

يوصي التقرير بوضع برنامج عمل وطنيّ وجهويّ لإعداد ميثاق تربويّ تعاقديّ للتربية على القيم، يكون مؤطّرًا للتدابير التربويّة والشراكات، مع اعتماد إطار مرجعيّ عامّ لمنظومة القيم المستهدفة، ومجالات التربية عليها، وتنويع المقاربات والأساليب في تفعيل المقترحات والتوصيات،

 مع مراعاة تكاملها، وتعزيز دور الرصد والتقييم المنتظم، وتوفير الإمكانات البشريّة والمستلزمات الماديّة والتشريعيّة كافّةً.

وينادي التقرير بمباشرة ورشات على مستوى المؤسّسات التربويّة للاطّلاع على توجّهات المجلس، ولتدارس المشكلات والقضايا ذات الصلة بالتربية على القيم داخل المؤسّسة، واقتراح الحلول الملائمة المستندة إلى الخبرة، كذلك يعد باستثمار نتاجات الورشات دون إغفال التعبئة المستمرّة للفاعلين التربويين داخل المدرسة، وفي محيطها لإيلاء التربية على القيم أهمّيّة قصوى سواءً فيما يتعلّق بالممارسات الصفّيّة أم غير الصفّيّة.

 

حفيظ باحو

باحث في سلك الدكتوراه وأستاذ في الأكاديميّة الجهويّة للتربية والتكوين في  الرباط/المغرب.